fbpx

بيت لحم: مدينة لم تعد تشبه نفسها

دخل عام جديد ولا تزال الشوارع فارغة، والمدينة لا تشبه نفسها، للمرة الأولى تعيش بيت لحم أعياد الميلاد من دون احتفالات.

دخل عام جديد ولا تزال الشوارع فارغة، والمدينة لا تشبه نفسها، للمرة الأولى تعيش بيت لحم أعياد الميلاد من دون احتفالات، بعدما استُبدلت المغارة والشجرة بعمل فني لطارق سلسع، يذكّر بالحرب على قطاع غزة. عنوان العمل مغارة “الميلاد تحت الأنقاض”.

تقول وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة، إن “العالم يحتفل بعيد الميلاد المجيد فيما مدينة الميلاد حزينة، كئيبة، ومتألمة، فأطفالها وشبابها ونساؤها ورجالها يعتريهم الخوف والحزن والألم مما يجري، وهم لا يعلمون أين ستصل الأمور”.

مشاهد غير مألوفة في محافظة بيت لحم، التي تعج عادةً بالسياح والحجاج في هذا الوقت من السنة. وبينما تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تستمرّ حرب أخرى على محافظات الضفة الغربية؛ حصار، حواجز عسكرية وإغلاق طرق، واقتحامات يومية واعتقالات بالجملة واعتداءات من المستوطنين، عوامل كلها تجتمع لتلقي بظلالها على الكلّ الفلسطيني.

خطأ وخطيئة

وفيما أُلغيت الاحتفالات، أثارت صورة جمعت أساقفة وزعماء كنائس في القدس المحتلة، مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، قبيل عيدَي الميلاد ورأس السنة، ردود فعل غاضبة وموجة انتقادات واسعة.

وأصدر مجلس رعوي كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك في رام الله، بياناً شجب واستنكر فيه لقاء رؤساء الكنائس المسيحية في القدس بالرئيس الإسرائيلي. جاء فيه: “في ظل المجازر التي تنتهك بحق شعبنا الفلسطيني في غزة والصمت العالمي المخزي، يقوم رؤساء الكنائس المسيحية في القدس بزيارة للرئيس الإسرائيلي في ديوانه تحت حجج واهية وأعذارٍ مشينة”. وأضاف: “تأتي هذه الزيارة بعد إصدارهم مجتمعين بياناً يدعون فيه جميع رعاياهم باقتصار عيد الميلاد المجيد على الصلوات والاحتفالات الكنسية الطقسية”.

وفي تعليقه على اللقاء، قال المنسق العام لوقفة حق-كايروس فلسطين رفعت قسيس لـ “درج”، إن أقل ما يمكن قوله عن هذه الزيارة إنها “غير موفّقة” وتغريدة خارج السرب. وأضاف: “كان الأَولى مقاطعة اللقاء ورفضه احتراماً لأرواح الشهداء في غزة، وأولئك الذين سقطوا في الكنائس في إطار حرب الإبادة الجماعية على القطاع، وكان من الأجدى الالتزام بالموقف الوطني الذي اتخذه رؤساء الكنائس بإلغاء الاحتفالات”.

واعتبر قسيس أن اللقاء الذي حصل لا يمكن تبريره، وهو يعدّ انتقاصاً من جهود التأثير على الرأي العالم العالمي الذي خلقته المؤسسات المسيحية في فلسطين، والذي ترك أثراً مدهشاً حول العالم، مضيفاً: “لا بيان يمكن أن يبرر هذا اللقاء. ما حصل يُعتبر خطأ وخطيئة”.

اختفاء زوار المدينة 

رئيس جمعية مكاتب السياحة الوافدة وصاحب مكتب سياحة في مدينة بيت لحم، ميشيل عوض، قال في حديث لـ “درج”، إنه في مثل هذه الفترة من العام، يتوافد ثلاثة أنواع من الزوار إلى بيت لحم، الأول السياحة الوافدة (السياح الأجانب) الذين يأتون من دول إيطاليا وأميركا ودول أوروبية، والثاني السياح الذين يأتون من داخل الخط الأخضر بنسبة جيدة جداً ولهم دور كبير في تنشيط اقتصاد المدينة، أما الثالث فيتمثل بالسياح من قطاع غزة ومدن الضفة الغربية. وأضاف، “يتم قياس نسبة السياحة في فلسطين بنسبة الإشغال في الفنادق، التي بدت معدومة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر”.

وأشار عوض إلى أن بيت لحم خالية من السياح هذا العام بسبب إلغاء شركات الطيران الرحلات الجوية، بالإضافة الى عدم تمكّن أهالي الضفة الغربية والداخل الفلسطيني من الوصول نتيجة إغلاق جميع مداخل المدينة التي تُعتبر وجهة الحجاج المسيحيين، وعرقلة السلطات الإسرائيلية تنقّل المواطنين ووصولهم إلى المدن الفلسطينيّة.

أضاف عوض أن “عدداً كبيراً من الفنادق والمطاعم والمكاتب السياحية أغلق أبوابه وتم تسريح الموظفين أو الاكتفاء بعدد قليل منهم، لكني حتى الآن أبذل جهدي للحفاظ على موظّفي شركتي البالغ عددهم 11، كون العبء المادي والتكلفة التشغيلية للمكاتب السياحية أقل من القطاعات الأخرى”. وشدّد على أن “الأوضاع الاقتصادية حالياً صعبة على جميع الفئات، وتختلف كلياً عن فترة الإغلاق التي حصلت أثناء جائحة كورونا، نظراً الى تمكّن البعض آنذاك من العمل في أراضي 48. أما حالياً، فلا يمكن أحداً التوجه الى العمل هناك”.

تابع عوض، “نأمل بأن ينتعش قطاع السياحة قريباً، فنحن لا نملك خطة بديلة، وخطّتنا الحالية هي الانتظار”.

نسبة تشغيل الفنادق 0 ومحلات بلا زبائن

في السياق ذاته، أشار رئيس جمعية الفنادق الفلسطينية وصاحب فندق “بيت لحم”، الياس العرجا، لـ “درج”، الى أن “نسبة الحجوزات الفندقية قبل اندلاع الحرب كانت عالية جداً استعداداً للأعياد وإحياء رأس السنة، بالإضافة إلى حجوزات للعام 2024 ألغيت بعد الحرب”، موضحاً أن نسبة إشغال الفنادق في مدينة بيت لحم في فترة الأعياد كانت تصل إلى 80 في المئة، أما “الآن فهي صفر، إذ إن جميع غرف الفنادق فارغة تماماً”. 

وقال العرجا إن “عدد الموظفين في فندق بيت لحم كان 75، أما حالياً فقد اضطررت للاستغناء عن معظمهم والاكتفاء بخمسة موظفين فقط للحراسة والصيانة والرد على الرسائل الإلكترونية. حاولت الالتزام بدفع رواتب الموظفين لشهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر، ولكن لا يمكنني الالتزام أكثر كون مدخول الفندق صفراً”، مؤكداً أن “مدينة بيت لحم تضمّ 50 فندقاً، عشرة فنادق منها أغلقت أبوابها بالكامل”.

محال الحرف الشرقيّة وخشب الزيتون التي تشتهر بها مدينة بيت لحم وتنتعش في موسم الأعياد، تعيش أوضاعاً مماثلة نظراً الى تداعيات الحرب. وفي حديث لـ “درج”، قال ريمون بنورة، أحد أصحاب واحد من هذه المحال الذي ورثه عن جدّه منذ الستينات، إن المدينة تشهد زيارة 100-150 باصاً سياحياً يومياً في فترة الأعياد، لكنّها الآن فارغة من السياح، ولا عمل لأصحاب هذه المحال الذين اضطر بعضهم لإغلاق محلاته والبحث عن أعمال أخرى مؤقتاً إلى حين عودة الحياة إلى طبيعتها.

بيت لحم تخسر ملايين الشواكل 

قالت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية إن محافظة بيت لحم تكبّدت خسائر اقتصادية تقدَّر بملايين الشواكل في مختلف القطاعات، بخاصة قطاع السياحة، منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، بسبب الإغلاقات والاقتحامات المستمرّة.

وذكرت مديرية الوزارة في بيت لحم، أن مجلس الكنائس قرر منع الاحتفالات لمناسبة عيد الميلاد هذا العام، واقتصاره فقط على المراسم الرسمية في بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور.

وأوضحت أن القطاع السياحي تضرر بنسبة 100 في المئة، ما أدى إلى إغلاق المطاعم السياحية، وتعطُّل حركة الفنادق السياحية. ويقدَّر حجم الخسائر السياحية التي تكبّدتها المحافظة بملايين الشواكل.

وفي سياق القطاعات الاقتصادية، أفاد نائب مدير مديرية الاقتصاد بمحافظة بيت لحم محمد حميدة، بأن الطاقة الإنتاجية للمنشآت الصناعية في المحافظة انخفضت بنسبة 40 في المئة، كما سجّل قطاع الحجر والمناشير انخفاضاً بنسبة 60 في المئة.

وأضاف أن القطاع التجاري الخدماتي تضرر أيضاً بنسبة 60 في المئة، وأن الإيرادات في كل القطاعات انخفضت بنسبة 70 في المئة. كما أن حركة الاستيراد والتصدير انخفضت، إذ سجلت حركة الاستيراد انخفاضاً بنسبة 50 في المئة وحركة التصدير بنسبة 62 في المئة.

وأشار حميدة الى أن القطاع الزراعي تضرّر بشكل كبير نتيجة منع الاحتلال المواطنين من دخول أراضيهم لقطف الزيتون. كما تضرّر المزارعون نتيجة عدم تمكّنهم من الوصول إلى أراضيهم لزراعتها، بخاصة في المناطق المصنّفة “ج”.

أما الاقتحامات الإسرائيلية المستمرة للمحافظة، فأوقعت خسائر كبيرة بالممتلكات، منها إغلاق مطبعتين وتحطيم محتوياتهما والاستيلاء عليهما.

وتابع حميدة، أن هذه الاقتحامات ألحقت خسائر ببيوت المواطنين قُدرت بآلاف الشواكل نتيجة تحطيمها أو تفجيرها، وشدّد الاحتلال على المناطق المصنفة “ج”، بهدم المنازل بحجة أنها مخالفة.

وختم بأن المستوطنين يقومون، بحماية من قوات الجيش الإسرائيلي، بتكسير سيارات المواطنين وسرقة قطعها، مثل المحركات والبطاريات.