fbpx

إسرائيل تستفرد بـ”الأغوار”… حصار وتهجير وتوسع الاستيطان

الشعور بالخطر والتهديد يلازم سكان مناطق الأغوار الشمالية منذ السابع من أكتوبر، في ظل عزل وحصار واستفراد إسرائيلي بالمنطقة وأهلها، الممنوعون من بناء المنازل، والذين تتحكم إسرائيل بالمياه التي تصلهم، في محاولة لجعل حياتهم لا تطاق، ودفعهم للرحيل.

يختبر سكان مناطق الأغوار في فلسطين العديد من المخاطر، فإذا نجوت من اعتداءات الجيش الإسرائيلي، قد تواجه اعتداء المستوطنين، وإذا خرجت من منزلك قد لا تتمكن من العودة إذا تجاوزت ساعات محددة تَفتح فيها الحواجز الإسرائيلية التي تحيط المنطقة، وإذا مرضت قد تمنع سيارات الإسعاف من الوصول إليك، وإذا خرجت بحثاً عن رزقك قد تسرق أغنامك على يد مستوطن مسلح أو قد تتلف منتجاتك المتكدسة نظراً لعدم قدرة المسوقين على الوصول إليك أو قد يصادر جرارك الزراعي، وقد تضطر لترك خيمتك هرباً من التدريبات العسكرية، أو قد تجد مستوطاً يهددك داخل خيمتك على حين غرّة!.

في إطار سياسة قديمة- جديدة للسيطرة على الأغوار تنتهج السلطات الإسرائيلية أساليب متنوعة لإخلاء المنطقة من سكانها الأصليين في عمليات تضاعفت منذ السابع من أكتوبر، وفقاً للناشط الحقوقي في مناطق الأغوار الشمالية عارف دراغمة، الذي أكد في حديث لـ “درج” أن ” 25 عائلة هجرت بشكل كامل في التجمعات البدوية بينما لم تعد 70 عائلة بدوية إلى مشاتيها حتى الآن”.

أشار دراغمة إلى أن 82% من أراضي الأغوار تحت السيطرة الإسرائيلية، ومحاطة بـ 42 مستوطنة و 23 معسكر للجيش. مضيفاً أن إسرائيل تستغل الانشغال بالحرب على قطاع غزة لفرض سيطرة تامة على مناطق الأغوار، وإقامة المزيد من المستوطنات بعد مصادرة وتسييج آلاف الدونمات.

بيع محفوف بالمخاطر أو تلف المنتجات!

مربي الثروة الحيوانية في تجمع عين البيضا عبد ربه بني عودة، قال لـ “درج”:  “نتعرّض لاعتداءات من المستوطنين بشكل يومي ومنذ اندلاع الحرب قتل المستوطنون حوالي 30 رأس غنم في مزرعتي”.

وأشار بني عودة إلى أن مجموعة من أربعة مستوطنين مسلحين يأتون بسيارتهم كل ليلة إلى تجمع عين البيضا  بعد منتصف الليل، وأحياناً كثيرة يتواجدون في ساعات النهار أيضاً بهدف ترويع المواطنين، كما حاولوا الاعتداء على جاره وسرقوا سيارته و”اصطحبوه إلى المستوطنة”.

وفي مناطق يعتمد سكانها على المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان، حوّلت الممارسات الإسرائيلية عملية التسويق إلى رحلة مليئة بالمخاطر، إذ يضطر سكان التجمع إلى أخذ المنتجات بأنفسهم إلى الأسواق، وقطع مسافات طويلة،ويتحملون تكاليف باهظة جداً ليتمكنوا من بيعها وإيصالها للأسواق، وفي حال إغلاق الحواجز الإسرائيلية تتكدس المنتجات وتتلف.

ومنذ بدء الحرب حددت السلطات الإسرائيلية ساعات خروج ودخول المواطنين إلى منطقة عين البيضا من الساعة السادسة صباحاً وحتى السادسة مساء، وفي حال تجاوز هذا الوقت لا يسمح بالمرور إلا من خلال طرق جبلية وعرة وخطرة.

الأغوار تحت الحصار

وفي حديثه لـ “درج” قال المزارع ابراهيم صوافطة إنه ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة تفرض السلطات الإسرائيلية حصاراً شاملاً على مناطق الأغوار، بهدف منع أي تواصل جغرافي مع باقي مناطق الضفة الغربية.

يشير صوفطة أيضاً إلى ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين، بحماية من الجيش على مختلف التجمعات، بالتزامن مع فرض المزيد من الإجراءات التنكيلية بحق المواطنين، في إطار برنامج ممنهج وسياسة تهدف إلى الاستيلاء على أراضي الأغوار.

يرى صوافطة أن الممارسات الإسرائيلية تهدف إلى دفع المواطنين إلى الرحيل، في سياسة ينفذها الجيش الإسرائيلي لا فقط من خلال مصادرة الأراضي، بل أيضاً عن طريق التنكيل بالسكان على الحواجز العسكرية وتقييد الحركة، فحتى سيارات الإسعاف تمنع من نقل المصابين في ساعات معينة، إلى جانب إطلاق العنان للمستوطنين المسلحين.

التجمعات البدوية.. نكبة جديدة

رئيس مجلس قروي المالح والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية مهدي دراغمة قال في حديث لـ “درج” إن اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي تضاعفت بعد السابع من أكتوبر على التجمعات البدوية في الأغوار الشمالية، التي كانت بالأساس تعيش صراعاً يومياً قبل اندلاع الحرب.

أضاف دراغمة “19 تجمعاً بدوياً تعتمد بشكل أساسي على المراعي والثروة الحيوانية في مناطق الأغوار، وقد أقدم الجيش الإسرائيلي على إغلاق جميع المراعي حالياً، فيما يمنع المستوطنين سكان الخيام الخروج من خيمهم”. مشدداً على أن “التجمعات البدوية تعيش أوضاعاً كارثية أشبه بالنكبة، هم محاصرون مع مواشيهم في أماكنهم، ولا يسمح لهم بالخروج أبداً”.

أشار رئيس مجلس قروي المالح والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية إلى أن ” الحكومة الإسرائيلية منحت صلاحيات، لما يسمى بمجلس المستوطنات، بالقيام بمهام التفتيش والرقابة على التجمعات، بهدف إلحاق الأذى والضرر بالمواطنين الفلسطينين، وأصبحوا يمارسون هذه الصلاحيات بعنف وبحماية قانونية”. مضيفاً “أمس تم مصادرة مئة رأس بقر لمواطن من منطقة عين الحلوة من قبل مجلس المستوطنات بحجة أنه خرج للمراعي”.

وقال دراغمة إن حوالي ثمان عائلات في التجمعات البدوية اضطرت لترك أماكن سكنها بسبب “التهديد المتكرر بالقتل وحرق الخيام”.  مشيراً إلى أنه تجمع عين الحلوة في الأغوار الشمالية يتضمن 25 عائلة، وبعد اندلاع الحرب على قطاع غزة تناقص العدد إلى 20 عائلة.

لماذا تسعى إسرائيل للسيطرة على الأغوار؟

تقع الأغوار الشمالية شمال شرق الضفة الغربية ضمن “محافظة طوباس” وتبلغ مساحتها حوالي 240 ألف دونم، وتشكل حوالي 60% من مساحة المحافظة التي تبلغ 402كم2، فيما تضم الأغوار 12 تجمعًا سكانيًا ثابتاً، بالإضافة إلى 20 تجمعاً لمضارب البدو.

وتمثل الأغوار الشمالية سلة غذاء الضفة الغربية من الخضار والفاكهة؛ وتعتبر أراضيها الزراعية من أخصب الأراضي في فلسطين، وأغلب مزروعاتها مروية؛ نظراً لتوافر المياه طوال العام، خاصة أنها جزء من أكبر حوض مائي جوفي في فلسطين، وهو “الحوض المائي الشرقي”؛ بالإضافة إلى محاذاتها الحدود الأردنية وأراضي عام 1948.

تُقيم السلطات الإسرائيلية حاجزين عسكريين دائمين في الأغوار الشمالية هما: “حاجز الحمرا”  الذي يوصل الأغوار الشمالية بمحافظتي أريحا، ونابلس؛ “وحاجز تياسير” الذي يقع على بعد 10كم من مدينة طوباس، والذي يفصلها عن الخرب، والتجمعات البدوية في الشرق.  أقيم هذان الحاجزان منذ بداية الانتفاضة الثانية، قبل 17 عاماً.