fbpx

مقتل رضى موسوي: يا لثارات إيران! 

باغتيالها المعلن، وبنوعية القتيل، تبدو اسرائيل كمن تندفع نحو فكرة “وحدة الساحات” أكثر من أصحابها.

رغم نوعية اغتيال المستشار في الحرس الثوري الإيراني سيد راضي موسوي،لكنه في حسابات إيران دون مستوى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، أو العالم النووي محسن فخري زادة، وإن تقاطع معهما عند ثأر لا تزال إيران عاجزة عن تحقيقه .

  وبافتراض أن أي عمل أمني إسرائيلي ضد إيران وفيها، أو في دول محورها هو مدعاة للثأر، فأغلب الظن أن الحدث الأخير هو استدعاء جديد له، وإفضاء إلى صرخة مؤجلة المفاعيل لحد صار فيه شعار”ثارات إيران” ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كثيفاً في الوعي الممانع، وثقيلاً على من ينتظره.

   وإيران غالباً ما تبحث عن مفاعيل صرختها في ساحاتها الخلفية، وهو التعبير الرائج راهناً، والذي تولى الإعلان عن وحدتها أمين عام “حزب الله” الأمين العام للحزب حسن نصرالله.

    كان لعملية طوفان الأقصى أن تشكل مناخاً نوعياً للثأرين  السابقين، وموقع حماس في محور الممانعة سيسهل، ولو تلميحاً، على إيران ادعاء إنجاز الثأرين ، وسيتبدى اغتيال سيد راضي كما لو أنه ثأر إسرائيلي . لكن التباين بين مكونات المحور المذكور إزاء عملية ٧ تشرين الأول، ثم تداعياتها في حرب غزة، بدءاً بالقطع مع مباشرتها التي ألقيت على حركة”حماس”وحدها ، ثم في “عتب”الأخيرة على”حزب الله” تحديداً فيما خص مساهمته في الحرب الراهنة، نزع من إيران هذا الإمتياز.

   وشت “حرب غزة”  أن وحدة الساحات أشبه بإعلان ترويجي لمنتج غير مطابق للمواصفات، وبقدر ما كان الإعلان مثيراً في الوعي الممانع، جاءت الحرب لتكشف حيزاً وازناً عن هشاشة لم يبددها  “حزب الله” في حربه المعلنة من الجنوب، أو صواريخ الحوثيين واحتجازهم للسفن التجارية، فكيف والحال تبدده ولائم قادة الحشد الشعبي العراقي في مطاعم لبنان.

   لن تذهب إيران إلى المواجهة المباشرة مع إسرائيل. ماضيها المثقل بدم قادتها يشي بذلك، ومواقفها الملتبسة من “حرب غزة” مؤشر عن هذا النزوع. 

   لن يكون الرد الإيراني على مقتل المستشار في الحرس الثوري مدوياً إن أتيح. هذا ما وشت به الوقائع السابقة المشابهة. ومع أن الرد راهناً يبدو مؤاتيا إذا ما اعتمدنا ادعاء  الممانعة عن المأزق الإسرائيلي في حرب غزة، وهو ادعاء واقعي، لكن الواقعي أيضاً أن المأزق ينسحب على محور الممانعة نفسه.

    تبدو إيران أكثر مكونات المحور رغبة باجتناب ملامسة فكرة وحدة الساحات لمعناها. والأمر مرتبط لا شك بكلفة الحرب عليها، فيما المكونات الأخرى تبدي  رغبة بها، لكنها لا تزال على الأرجح محكومة بالمشيئة الإيرانية .

   باغتيالها المعلن، وبنوعية القتيل، تبدو اسرائيل كمن تندفع  نحو فكرة “وحدة الساحات” أكثر من أصحابها.

   جغرافياً،  وشت فكرة وحدة الساحات كما لو أنها معترك  أقصيت منه إيران، وإعلانها على لسان نصرالله جانب هذا الاشتمال، وهو أمر مرتبط بمفهوم “الدولة- الساحة” كاعتلال سياسي، وبالتالي بهيمنة قوى مسلحة غير نظامية على قرارها. هذا حال لبنان والعراق واليمن وفلسطين، فيما إقصاء إيران مرتبط لا شك بما يناقض هذا المفهوم  في دولة لا تنوء بهذا الاعتلال وما يعتريه من عطب سلطوي.

   لن تذهب إيران إلى المواجهة المباشرة مع إسرائيل. ماضيها المثقل بدم قادتها يشي بذلك، ومواقفها الملتبسة من “حرب غزة” مؤشر عن هذا النزوع. 

لا سيد راضي بثقل قاسم  سليماني أو محسن فخري زاده الذي إغتيل في إيران، ولا تأثيره العسكري والمعنوي يقترب من قيمة الأخيرين، فيما الثأر المعلن من قادتها، وعلى ضفاف الإغتيالات لا يزال يتبدى كتهديد مؤجل، وعلى الأرجح إلى أجل الآجلين.

   في مجلس خاص جمع كاتب هذه السطور برجل دين شيعي مقرب من “حزب الله”، سأله أحد الحضور، وهو حزبي بالمناسبة، عن موقف إيران فيما لو اتخذت إسرائيل قراراً بتصفية الحزب. صعوبة مفاعيل قرار كهذا، وعن سؤال إفتراضي ، كانا كفيلين بإجابة تحاكي السائد في الوعي الشيعي عن العلاقة العضوية بين إيران و”حزب الله”.

   الرد جاء بأبعد ما يشتهيه حتى خصوم الحزب. استحضر رجل الدين قصة امرأة تحمل طفلاً وتريد  قطع نهر من ضفة إلى ضفة. راحت المرأة ترفع طفلها كلما ارتفع منسوب المياه حتى بدا أن نجاتها من الغرق متوقفة على مقدار حجم الطفل، وأردف : أن المرأة رمت الطفل وداست عليه، فكتبت لها النجاة.

   فكرة وحدة الساحات، كما ثارات إيران، تشي بالكثير من قصة تلك المرأة.