fbpx

غزة… عن خالتي فاطمة وعن آخرين

حاولت أكثر من مرة أكتب عن خالتي فاطمة وعائلتها الذين قتلوا في مخيم جباليا. أحاول أن أجمع خيوط الجريمة منذ 8 أيام، والآن اتضحت الصورة بعد نزوح خالي ابو العبد إلى رفح يوم الاثنين الماضي. أسأل ما ذنبها وذنب بناتها غير المتزوجات والمتزوجات؟ وما ذنب الأطفال وكبار السن ؟

في كل مرة أتردد في الكتابة عن أحوالنا في قطاع غزة، ويتسلُل إلى داخلي الإحباط، وتحوم الأسئلة في عقلي إلى جانب الخوف الذي يتمكن مني ومن غالبية كبيرة من الناس. أسأل، ما الفائدة من الكتابة والأيام والليالي تشبه بعضها؟. ما الفائدة من تكرار ما اكتبه ونكتبه منذ 74  يوماً من الحرب الانتقاميّة التي تعدّت القتل وتدمير المباني والبنية التحتية؟

لا أفق بخصوص وقف الحرب الوحشية لكن هناك بعض من الأمل حول هدنة إنسانية جديدة،  يرفُضها الكثيرون لأن طموحهم وقف الحرب كلياً.

حاولت أكثر من مرة أكتب عن خالتي فاطمة وعائلتها الذين قتلوا في مخيم جباليا. أحاول أن أجمع خيوط الجريمة منذ 8 أيام، والآن اتضحت الصورة بعد نزوح خالي ابو العبد إلى رفح يوم الاثنين الماضي. أسأل ما ذنبها وذنب بناتها غير المتزوجات والمتزوجات؟ وما ذنب الأطفال وكبار السن ؟

 حاولت وأنا أكتب تذكر أسماء الأطفال وعدد أفراد الأسرة لأفيهم حقّهم بأن لا يُنسوا.

مقتل خالتي مأساة، إذ لاحقها  القصف والموت ثلاث مرات، المرة الأولى عندما دُمر منزل خالي ابو حسن المجاور لمنزلها وقتل طفله،  ثم تدمير منزل خالتي، اضطرت بعده للنزوح إلى منزل مجاور.

قصف المنزل المجاور له وقتلت ثلاثة من بناتها ايمان ودعاء ونور، وأصيبت خالتي بكتفها، واضطرت للنزوح لبيت آخر في المخيم، وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر من كانون الأول/ ديسمبر، قصف المنزل الثالث الذي هربت إليه وقتلت بناتها، الصيدلانية  تغريد وطفلتيها،  وكذلك سهير هي وابنها وبناتها الخمسة، وسهام وبناتها الثلاثة وزوجها انور ووالده خالي عمر، قتلت أيضاً سمر  وأولادها الثلاثة، كما قتلت ام مجدي وابنها وبنتها زوجة احمد ابن خالتي فاطمة.  

اليوم أصيب الصحافي إسلام بدر ومحمد أحمد بعد قصف منطقة بلوك 2 في مخيم جباليا أثناء تغطيتهم الصحفية. وهما من الصحافيين القلائل الذين ظلوا في جباليا لتغطية الحرب، وإسلام أيضاً هو من أوصل لي خبر مقتل خالتي فاطمة.

لا اعلم كيف استجمعت قواي الكتابة عنها عنها وعنهم، وروحي معلقة في آخرين، بينما هدف الجيش الإسرائيليّ تدمير الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، وكي الوعي وكسر روح الفلسطينيين، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية لتجويع الفلسطينيين، كما صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي.

الجوع  والبرد يرافقهما أخبار مرعبة عن انتشار الأمراض بين جموع النازحين في مستشفى الشفاء خاصة الأطفال، وعدم توفر مياه الشرب المحلاة.

النازحون يشربون مياه مالحة وغير صالحة للاستخدام الادمي، ولا يجدون الطعام وبالكاد يوفرونه ولا يوجد علاج في المستشفى، ولا يوجد سوى 3 أطباء وبعض الممرضين المتدربين. حالات كثيرة لا تجد العلاج وتنتظر الموت في قسم الطوارئ الوحيد الذي يعمل بالمشفى.

القتل والتدمير في كل مكان، دُفنت  جثامين القتلى بعد أن جرفتهم جرافة إسرائيلية، بين أكوام التراب في ساحة مستشفى كمال عدوان في مشروع بيت لاهيا.

الحرب مستمرة بوسائل وطرق مختلفة، ولا تخفي حكومة نتنياهو ذلك، الذي صرح أن “الحرب هي حرب وجودية”، إذ لم تتعافى إسرائيل من حالة الصدمة والهلع، الخوف من هجوم طوفان الاقصى، وستبقى عالقة في عقول الإسرائيليين لأجيال قادمة.

يمكن تصنيف  الحرب هذه بـ”القبلية”، إذ تتحرك بدافع الثأر لتطبيق الانتقام الجماعي التي يرافقها وحالة الإجماع السائدة في إسرائيل وسلوك القطيع، وتماهي المجتمع الإسرائيلي والسياسيين في حالة من التناغم يترافق مع  المزايدات السياسية، على رغم الخلافات الحادة والمؤجلة لقادة الأحزاب الإسرائيلية، لتحقيق إنجازات وتوجيه الاتهامات لنتنياهو لبدء حملته الدعائية للانتخابات بعد الحرب.

 بعد مرور  74 يوماً، وقطع الاتصالات والإنترنت للمرة السادسة عن جميع مناطق قطاع غزة لمدة خمسة أيام، والأوضاع في مجمل أنحاء القطاع مرعبة، وما ينشره ما تبقى من صحافيين في مدينة غزة ومنطقة شمال القطاع يتكشف حجم الخراب. 

الاتصالات مع الأهل والأصدقاء، لا تفي المقتلة حقها، الحالة أكثر من كارثية، لا وجود لأي ملامح  من حياة، وحرب التجويع والعطش مستمرة، ولا أي خدمات صحية بعد تدمير المستشفيات واعتقال عدد من الطواقم الطبية.

القتل والتدمير في كل مكان، دُفنت  جثامين القتلى بعد أن جرفتهم جرافة إسرائيلية، بين أكوام التراب في ساحة مستشفى كمال عدوان في مشروع بيت لاهيا.

الاعتقالات في مدينة غزة والشمال والتنكيل بالمعتقلين وقتل عدد من المعتقلين والظروف الإنسانية القاسية الذين تم  اعتقالهم لا تخفى على أحد. أما  المفقودين وعدد من القتلى الذين ماتوا في معسكرات الجيش الاسرائيلي في النقب فهؤلاء ما زالت الأخبار عنهم تتضح تدريجيّاً، بما فيهم العمال الذين اعتقلوا وتوفي عدد منهم في السجون الإسرائيلية في الضفة الغربية، فهناك 17 امرأة معتقلة ولا معلومات عن مصيرهن.

 أكدت صحيفة “هآرتس” وفاة عدد من أسرى قطاع غزة الذين احتجزهم الجيش الإسرائيلي خلال الحرب في معسكر “سديه تيمان” قرب بئر السبع بسبب الظروف القاسية للاحتجاز. 

ولا أي جهة لديها معلومات  عنهم والسلطات الإسرائيليّة تمنع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارتهم، حتى منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية ممنوعة، والمعلومات المتوفرة هي من وسائل الاعلام الاسرائيلية والمعتقلين المفرج عنهم. 

تم تحويل عدد من المعتقلين لمعتقلين غير شرعيين، بدون اي محاكمة، وتكييف القوانين  الاسرائيلية العسكرية وغير العسكرية لمحاكمة المعتقلين الفلسطينيين، وفرض عقوبات قاسية تصل حد إصدار أحكام بالإعدام.

أوضاع رفح مرعبة، أعداد النازحين تفوق الخيال وسكنوا في اماكن لم يتخيل أحد ان يقيموا فيها. حالة الناس كارثية، وفي ظل  التوغل البري في خان يونس ونزوح المزيد، أسأل هنا كيف ستكون أحوالنا في حال نفذت اسرائيل تحذيرها وقامت باجتياح رفح.

يبدو أن إسرائيل لم تشف غلها من الانتقام والثأر، وفي كل أسبوع يتم الكشف عن صورة أكثر من مذهلة  عن انتهاكات وجرائم ما زال المجتمع الدولي خجولاً باستخدام كلمات كـ”جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” لوصفها.