fbpx

الميليشيات الإيرانيّة في محور المقاومة… هل تدعم فلسطين حقاً؟ 

صديقتي كانت غاضبة جداً، تنشر عبر إنستغرام يأسها الممتد من صنعاء نحو بيوتنا، تناشد بصوت يكاد يكون معدوماً، ولا يسمعه أحد، كمن يتحدث مع جبل انهار للتو: “أرجوكم لا تصدقوا ما يفعله الحُوثيون، إنهم ليسوا أبطالاً، هم ليسوا مقاومة، المقاومة لا تقتل ناسها”.

هل تعرف ماذا يعني أن تعيش تحت حكم ميليشيات مسلّحة في بلدك؟ الغالبية قد تجيب بـ”لا”،  لكن هناك من هم سعداء، يصفقون بانبهار لفيديوات”الأكشن” التي يرونها عبر السوشيال ميديا، والتي بثّها الحوثيون الذين اختطفوا سفينة ورقصوا على سطحها واحتفلوا بـ”النصر”، لكن ما الجديد؟

هذه هي مهنتهم، أقصد القراصنة الحوثيين في اليمن وقرابة البحر الأحمر، “عملهم” سرقة السفن وقتل المواطنين والتسبّب بإعاقات دائمة للأطفال، فهل تعتقد أن الحوثي يفعل ذلك لتحرير فلسطين؟ أنت واهم، إنهم يدغدغون مشاعر العرب المحبّين للبطولة لا أكثر.

صديقتي كانت غاضبة جداً، تنشر عبر إنستغرام يأسها الممتد من صنعاء نحو بيوتنا، تناشد بصوت يكاد يكون معدوماً، ولا يسمعه أحد، كمن يتحدث مع جبل انهار للتو: “أرجوكم لا تصدقوا ما يفعله الحُوثيون، إنهم ليسوا أبطالاً، هم ليسوا مقاومة، المقاومة لا تقتل ناسها”. 

صاروخ واحد لا يمحو سنوات من القمع

أعتقد أن منى ليست وحدها من تحاول الصراخ عالياً وسط هذا التجمع البشري المنهمك بمتابعة الحرب، والتحريض على جعلها تشمل دولاً أخرى، باستثناء بلدانهم الآمنة بالطبع. مررت كثيراً بحلقة الصراع هذه، وأنا أتابع نشرات الأخبار التي تنقل بطولات الفصائل العراقية التي تقصف مواقع وقواعد أميركية غرب العراق “ثأراً لفلسطين”. 

يتناقل البعض التسجيلات والتهاني بفرح، تتكرر (ولسخرية القدر) كلمات مثل “أبطال”، “شجعان”، و”المقاومة العراقية”. حين أقرأ هذه الكلمات، أرى ممحاة تمتد على طول العراق، تمحو جرائم هذه الفصائل، أتذكر هشام الهاشمي، ورهام عبد الغفور، أتساءل من قتلهما ثم أصرخ لوحدي!. 

هكذا، وبرمشة عين، سقطت سنوات من الدكتاتورية المتقنة التي مارستها علينا الميليشيات، من دون حكم أو عدالة، من دون محاسبة أو حتى إدانة، تحوّل الميليشياوي إلى بطل قومي بسبب صاروخ فقط!.

 لشدةّ خيبتي، لا أعلم كيف أبدأ الحديث، أرى الكثير من الأصحاب من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، يتداولون بفرح وثناء خبر محاولات الفصائل العراقية قصفها قاعدة عين الأسد في الرمادي/ غرب العراق. أكتب لأحدهم: “إنهم مجرمون، لا تصدق ذلك، أتعلم أنهم هم من قتلوا المتظاهرين في العراق؟”، يجيب: “آه حقاً؟ أنا أدين ما فعلوه في العراق، لكني أقف معهم في حربهم ضد الكيان الصهيوني”، شعرت وكأن عباراته رصاص جديد اخترق أجساد الثوار العراقيين.

ماذا يريد “المُقاوم”؟ 

ينظر المقاوم الى أقرب نقطة يريد فهمها وحسب. هو يعلم أن الميليشيات التابعة لإيران، هدمت البيوت على رؤوس ساكنيها، لكنه اليوم يتغافل عن هذا كله، مع تحوّل الصراع إلى “منافسة عضلات ذكوريّة”. 

العقل المقاوم يريد وبأي وسيلة القضاء على إسرائيل، ولو عبر الاستعانة بالمرتزقة الذين يعملون باسم الدين أو المذهب، أو حتى باسم الوطن، واليوم هناك مبرر جديد، ميليشيات باسم “القضيّة”. 

تحاول هذه الميليشيات اليوم تلميع صورتها وتبييض ماضيها القريب، ليس حباً بفلسطين، بل كجزء من “حملة علاقات عامة” تحاول عبرها تغيير ما نعرفه عنها، عبر مناصرة قضية إنسانية كالقضية الفلسطينية، وتحمّل عائق إنقاذ أهل غزّة، بعد أن تكمل مهمتها اليومية في القتل والنهب في أوطانها.

هل يناصرون القضية حقاً؟ 

يبدو الأمر وكأن فلسطين أصبحت شماعة لهذه القوى المُنفلتة، التي تحاول أن تكون مقبولة من المجتمعات التي تحكمها بقوّة السلاح.  تقول منى ماش، ناشطة يمنية، إن الحوثيين أعادوا وطنها قروناً الى الوراء، ومن يتغنى اليوم بأمجاد “البلد السعيد” وقرصنة السفن باسم أهل غزّة، لا يعلم أنه غير قادر على السفر إلى اليمن، تقول منى: “ليس لدينا مطار شغال على مدار الساعة، لا توجد هذه الرفاهية، طائرة واحدة ثلاثة أيام، وأحيانا كل أسبوع”.

اختبر اليمنيون الموت اليومي على يد ميليشيات الحوثي، تحولت معاناتهم  إلى خبر عابر لم يعد يثير الاهتمام، والآن ينظرون إلى اليمنيين كأبطال بسبب صواريخ خرجت ممن قتلهم؟!.

سيطر الحوثيون على أكثر من 500 سفينة وباخرة  عبرت البحر الأحمر، إنهم لصوص! بل حتى السفينة التي تحولت إلى مساحة للرقص واستعراض الفحولة، لم تمسّ إسرائيل بشيء، فلمَ الاحتفال والتهليل؟

حوّلت الميليشيا الحوثية المدن اليمنية منذ 2014  إلى جحيم، قصف للأحياء السكنية، واعتقالات وانتهاكات بالجملة، فضلًا عن أعمال قرصنة متصاعدة هددت الملاحة البحرية. ساهمت الألغام الحوثية أيضاً، في جعل اليمن واحدة من أكثر الدول التي تحوي ألغاماً منذ الحرب العالمية الثانية، ألغام حوّلت اليمن إلى بلد يحتضن أعلى نسب من الأطفال المصابين بإعاقات.

 تقول منى إن الحكومة ليست بريئة أيضاً، لكن حين نتّهم الحوثيين، يقال إننا عملاء للحكومة، تضيف: “لا حياة كريمة في اليمن، لا رواتب للموظفين منذ سنوات، لا مياه صالحة للشرب، ولا كهرباء… ومن يود ليتفضل بزيارة اليمن، الحوثيون يرتكبون جرائم كما تفعل إسرائيل، كل مرة تصفّقون لهم، تطعنون فيها قلوب الأمهات”.

مهمّة الميليشيات الوحيدة

ربما كانت الميليشيات تتنافس على المركز الأول بارتكاب الجرائم، لكنها اليوم تتنافس على البطولة ونيل المديح الافتراضي. بدأت الفصائل العراقية مع سقوط نظام صدام، شكلت بشقيها السني والشيعي واقتتالهما، خير مثال للحرب الأهلية الفتاكة.

 امتدت هذه الميليشيات وتفرعت وانتشرت مثل سرطان، كان للحرب ضد “داعش”، الفضل بتركة ثقيلة من الميليشيات الصغيرة والكثيرة، توسعت هي الأخرى، وجعلت من إيران موطناً لها داخل العراق.

 توسُّع الميليشيات لم يكن إيجابياً، إذ وعلى رغم تضحية الكثير من الشباب بأرواحهم إيماناً بدفاعهم عن بلادهم، إلا أن القيادات -كالعادة- روضت السياسة في ساحتها لمصالحها، ووصلت الى الكراسي الحكومية، بالغش والاغتيالات والتهديد. كان أبشع ما حدث لضمان بقاء هذه المناصب، هو قمع الثورة وقتل أكثر من 700 متظاهر عراقي خرجوا رفضاً للظلم.

خرجت للتظاهر لأني أحلم ببلد لا تحكمه الميليشيات والمحاصصة، خسرت الكثير من الأصدقاء، أحدهم اختُطف ولم يعد حتى اليوم. أفكر، هل علي أن أتقبل كلمة “المقاومين المجاهدين” وصفاً لهؤلاء فقط لأنهم هاجموا قاعدة أميركية؟

أيعقل أن صاروخاً واحداً رمته هذه الميليشيات، أسقط كل ضحاياهم من أصدقائنا وجيراننا من حسابات “الجمهور”؟ جميعنا نريد الخلاص لفلسطين، لكن هل يحدث الأمر هكذا؟ أقصد الدفاع عن الحق بواسطة جماعات باعت أوطانها بالعمالة.

تسألني صديقتي التي خسرت زوجها في التظاهرات مع ابن عمها، هل دماؤنا غير مهمة الى هذه الدرجة؟ تريد إجابة. لا تريد كلمة إدانة لهذه الميليشيا في بلادي ودعم ضربها إسرائيل، هذه أيضا ازدواجية معايير، التهمة التي تتم إدانة الغرب بها، فأرجو أن ينتبه “المقاوم” لها لأنه يعيشها. 

من لبنان الى سوريا 

تقول صديقتي في لبنان إن الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات لا تقل عما تفعله إسرائيل، لكن “المقاومين” لا يهتمون. يعتقدون أنها صراعات واضطرابات داخلية، فلا يعنيهم ما يحدث من دمار وقتل. هذا العذر جعل من يرفض مشاهد قتل الأطفال في فلسطين، يسمح بحدوثها على يد الحوثيين و”حزب الله” والفصائل العراقية على مدار سنين، ودعم هذه الميليشيات اليوم يزيد من احتمالية توسّع طغيانها. 

تضيف صديقتي: “كان ثمن بقاء بشار الأسد في الحكم واستمرار حكمه الموالي لإيران، مئات الآلاف من الضحايا والمغيّبين قسراً، تم محو أحياء وقرى سورية منذ أكثر من عقد بالتعاون مع “حزب الله” من دون حساب أو تنديد من الشعوب العربية. نعم الشعوب العربية كانت وبخجل تتحدث حينما استُهلك كل السلاح على الصغار السوريين، وتطور الأمر الى أن يتم التباهي بهم اليوم. من الجيد تذكر أن أفعال “حزب الله” في بلدي كانت وما زالت قاسية”. 

تُضيف: ” في كل عطلة، هناك حفلة رصاص حي بين اعضاء حزب الله نفسه. حيث يكونون لا تكون الدولة، أين الدولة؟ انفلات وتحكم بالبلاد وخيراتها، هل ننسى مخازن الأسلحة بيننا؟، هل ننسى الولاء المطلق للدم؟ لا يمكن أن يكون هذا الأمر هو التصور الكامل عنهم، ما يجب أن يُشرح عنهم يتطلب وقتا طويلاً. ما يفعلونه اليوم مجرد استعراض، لا اصدق ان قاتل الأطفال في سوريا، ينتظر خطابه العالم العربي بأكمله، الأمر مخيب حقا”.