fbpx

باسبورات الكاريبي:كيف استفاد المصرفي العراقي حسن ناصر جعفر اللامي من الجنسيّة الدومينيكيّة؟ 

يُعتبر اللامي أبرز الحاصلين على هذه الجنسية إلى جانب رجال أعمال عراقيين آخرين، لكن لـلامي قصة مغايرة، إذ امتدت علاقاته العابرة للحدود من العراق إلى إيران وسوريا ثمّ لبنان، حتى وصفته سيدة زعمت أنها موظفة في المصرف المركزي العراقي، في مقابلة تلفزيونية، بأنه “قاسم سليماني المالي” في العراق. 

في شباط/فبراير 2023، استدعى الأمن الوطني المصرفي العراقي حسن ناصر جعفر اللامي، 46 سنة، المقرّب من النظام الإيراني والملقّب من الأوساط المالية في العراق بـ”ملك التزوير”، وفقاً لـصحيفة “نيويورك تايمز”، لاستجوابه في قضية تحويل أموال إلى الخارج عبر تزوير الفواتير وتعامله مع إيران، وأُفرج عنه بعد أقل من ساعة فقط.

عام 2017، حصل اللامي على الجنسية الدومينيكية وفقاً للجريدة الرسمية التي تصدرها حكومتها، والتي واطلع عليها “درج”، وهو متهم بقضايا فساد وتمويل جماعات إرهابية مرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة بـفصائل إرهابية، بحسب تحقيق نشرته “نيويورك تايمز” الأميركية.  

يُعتبر اللامي أبرز الحاصلين على هذه الجنسية إلى جانب رجال أعمال عراقيين آخرين، لكن لـلامي قصة مغايرة، إذ امتدت علاقاته العابرة للحدود من العراق إلى إيران وسوريا ثمّ لبنان، حتى وصفته سيدة زعمت أنها موظفة في المصرف المركزي العراقي، في مقابلة تلفزيونية، بأنه “قاسم سليماني المالي” في العراق. 

يأتي هذا التحقيق في سياق مشروع “باسبورات الكاريبي” الاستقصائي العابر للحدود، الذي يقوده “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد (OCCRP)”، بمشاركة “مشروع مراقبة الحكومة Government Accountability Project”، وهي منظّمة غير ربحية مقرها واشنطن، وعدد من المنصّات الصحافية في أكثر من 20 دولة، من بينها “درج”. يكشف المشروع عن شراء نحو 7700 شخص الجنسية الدومينيكية التي تمكّنهم من السفر العالمي من دون تأشيرة. وتتضمّن هذه اللائحة مجموعة متنوعة من السياسيين ورجال الأعمال المشبوهين أو المجرمين والخارجين عن القانون.

يبدو أن ظاهرة الحصول على جواز سفر ثان في العراق ليست غريبة، خصوصاً بعد مرور البلد بمنعطفات سياسية واقتصادية أدت إلى غياب الاستقرار وزعزعة الأمن، فشرعت في ظل ذلك شركات خدمات الهجرة في إعطاء استشارات حول إمكان حصول العراقيين على جواز سفر آخر، ولائحة الدول التي يمكن الحصول على جنسيتها، وأولها  دومينيكا. 

الاستفادة من الجنسية 

أظهر موقع السجل التجاري في المملكة المتحدة، أن اللامي أسس شركة S&M GOLDEN GROUP LTD ورقمها 14460021. اللافت، أنه سجل هذه الشركة، الموصوفة بأنها شركة عقارات، مستخدماً الجنسية الدومينيكية، وذلك في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. ويشير السجل التجاري إلى أن الشركة نشطة حتى الآن، ويديرها اللامي الحامل الجنسية الدومينيكية. 

للامي شريك في هذه الشركة أيضاً، وهو صالح فضل – عراقي الجنسية ويسكن في العراق أيضاً، وهو مساهم حتى اليوم في هذه الشركة وفقاً لموقع السجل التجاري البريطاني. بالإضافة إلى ذلك، تتجاوز أسهم فضل الـ25 في المئة، لكنها لا تتعدّى الـ50 في المئة، وله الحق بإقالة مدير الشركة وتعيين آخر جديد. 

مقرّ شركة اللامي College House, 17 King Edwards Road, Ruislip, London, United Kingdom, HA4 7AE، وعند البحث أكثر عن طبيعة هذه المنطقة، تبيّن أنها تضم عدداً من الشركات العقارية والصحية. 

لم نجد أي تفاصيل إضافية عن شريكه صالح فضل، لكن السجل التجاري يوضح أنه موجود في العراق وحامل الجنسية العراقية. 

التجارة مع إيران 

وفيما استفاد اللامي من الجنسية الدومنيكية حتى العام 2022 لتسجيل شركة جديدة في المملكة المتحدة، كان قد بدأ التحرّي عنه عبر وسائل إعلام عربية، خصوصاً بعد خضوع مصارف مساهم فيها، مثل “نور الإسلامي العراقي” لعقوبات أميركية بسبب تعاملها مع إيران. 

المجموعة الأولى من العقوبات الأميركية على إيران كانت في آب/ أغسطس 2018، واقتصرت حينها على تجارة السيارات والذهب والمعادن. أما المجموعة الثانية للعقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بعد ثلاثة أشهر، فقد طاولت تجارة النفط التي تعتبر من أهم صادراتها. 

رفعت وزارة الخزانة الأميركية من حدة العقوبات عام 2019، إذ أحالت الإعفاءات عن الدول المستوردة للنفط الإيراني، ما يعني أنه حتى الدول المستوردة أصبحت تخضع للعقوبات الأميركية. 

في 21 كانون الأول/ يناير 2020،  كشف نائب عراقي عن “وثائق مسربة” حصلت عليها قناة “العربية“، تحوي أدلة على تزوير المؤسسة العامة العراقية تسويق النفط (SOMO). وفقاً للوثائق، طُلب  من مصارف عراقية خاصة عدة فتح حسابات ائتمانية بالدولار الأميركي لاستيراد المشتقات النفطية لتلبية الاحتياجات المحلية، مثل الغاز والنفط والبنزين والديزل والنفط الأبيض والغاز السائل. وبحسب التقرير أيضاً، فإن مجالس إدارة هذه المصارف تضم رجال أعمال إيرانيين وأفراداً تربطهم علاقات بإيران، واطلع “درج” على هذه الأسماء أيضاً. ويؤكد هذا التقرير أن طهران تستفيد من هذه العقود لتتحدى العقوبات الأميركية.

رغم عدم سيطرة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي على الحكومة، إلاّ أن إيران استمرت عبر مصارف عدة لها مقربين منها، من بينها مصرف “الاتحاد العراقي للاستثمار” حيث للامي حصة بنسبة 40 في المئة، وهو مملوك من فاضل الدباس ورجل الأعمال خميس الخنجر، وكلاهما وُضعا على لائحة العقوبات الأميركية لارتباطهما بميليشيات مدعومة من إيران ودفع رشاوى والمساهمة في الفساد، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية

يُذكر أن مصرفيْ “عبر العراق” و “نور العراق الإسلامي” يتم دمجهما حالياً، وفقاً لما قاله مصرفي عراقي لـ”درج”، مضيفاً أنه “تم دمج مصرفَي “عبر العراق” و”نور العراق” تحت اسم “مصرف الإعمار الإسلامي”، وهو أول اندماج يحصل في قطاع المصارف بعد قرار البنك المركزي برفع رأس مال المصارف الى 400 مليار دينار”. 

لا يعلم المصرفي مَن هو مالك أو رئيس مجلس إدارة مصرف “الإعمار الإسلامي”، ورفض تزويدنا بمعلومات عن اللامي قائلاً: “معلوماتي مصرفية وليست شخصية”. 

“ملك التزوير” 

يملك اللامي سلسلة من المصارف الأخرى، منها “نور العراق الإسلامي”، و”عبر العراق“، إلى جانب “شركة سما بغداد لصرف العملات”، وكان مركزها العاصمة الأردنية، عمّان، لتقفلها السلطات الأردنية بالشمع الأحمر عام 2016 بسبب التزوير والتجاوزات القانونية، وفقاً لبيانها. علماً أن اللامي كانت تربطه علاقة وطيدة سابقاً بالملك الأردني عبدالله الثاني، ففي 2019 حينما أطلق الملك حملة “جمع التبرعات للغرامات”، كان اللامي من أول المستثمرين العرب المتبرعين بقيمة 100 ألف دينار (140 ألف دولار)، وقال في تصريح صحافي أنه يعتبر الأردن بلده الثاني كونه عاش فيه أكثر من 15 عاماً. 

عام 2020، ذكرت نيويورك تايمز في تقرير لها، أن اللامي كان “معروفاً في الأوساط المالية العراقية” باسم “ملك الفواتير المزوّرة”. وفي شباط/ فبراير الماضي 2022، أفادت وسائل إعلام عراقية بأن اللامي ونجله اعتُقلا بتهمة تهريب الدولارات. وذكرت التقارير أنه تم الإفراج عنهما. في حين لم ترد السلطات العراقية على طلب “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” للحصول على معلومات حول سبب اعتقال اللامي أو ما إذا كان يواجه أي تهم رسمية. ولم يرد اللامي على طلبات التعليق أيضاً.

كذلك، ورد في تحقيق “نيويورك تايمز” أن اللامي دخل إلى لبنان في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أي في فترة انتفاضة “17 تشرين”، حيث عمت التظاهرات مختلف الشوارع ضد السلطة الحاكمة، وكانت الليرة اللبنانية بدأت بالانهيار أمام الدولار الأميركي، في حين سجلت عمليات تهريب الدولار إلى سوريا زيادة ملحوظة. 

قبل توجّهه إلى لبنان بشهر واحد، أي في تشرين الثاني 2019، أصدر المصرف المركزي العراقي برئاسة علي محسن العلاق، قراراً بمنع المصارف الخاضعة للعقوبات، ومنها “نور العراق الإسلامي”، الذي يملكه اللامي، من التعامل  بالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى منع المؤسسات المالية والشركات من التعامل مع هذه المصارف. 

تواصلنا مع المصرف المركزي العراقي، لكننا لم نحصل على رد. 

انخفضت نسبة مساهمة اللامي في مصرف “عبر العراق”، الذي سبق وكان يملكه، من 9 في المئة عام 2019، إلى 5 في المئة عام 2021، ، وذلك بحسب موقع المصرف نفسه. 

متوارٍ عن الأنظار؟

تفيد المنصات الصحافية العراقية، بأنه فوْر إطلاق سراح اللامي وابنه رامي، بعد استجوابهما حول قضية تهريب الدولار وتزوير الفواتير،  هرب اللامي عبر مطار بغداد الدولي. واليوم، مكان سكن اللامي مجهول حتى الآن ولا يُعرف عنه أي شيء. وقد حاول فريق التحقيق  التواصل معه أو مع مقربين له، لكن من دون جدوى. ووجوده في لبنان ليس مؤكداً، علماً أنه زار هذا البلد في أواخر العام 2019، كما ورد سابقاً في التحقيق. 

رد دومينيكا

نتيجة حصول عدد من رجال الأعمال وعائلاتهم على الجنسية الدومينكية، مستفيدين من برنامجها، تواصل فريق OCCRP مع “وحدة جنسية دومينيكا عن طريق الاستثمار” لترد: “إن عمليات التحقق من الخلفية لدينا مستقلة وشاملة، تقوم بها شركات العناية الواجبة المستقلة المشهورة دولياً، والتي يمكن العثور على قائمة بها على موقعنا على الإنترنت. ونقدم أيضاً طلبات إلى المركز المشترك للمعلومات والإعلام في الجماعة الكاريبية (IMPACS JRCC). تتحقق هذه الشركات/الوكالات من هوية مقدم الطلب، وتُجرى عمليات فحص من خلال جميع الشركاء الدوليين للجرائم المالية والشواغل الأمنية ورفض التأشيرات من بين العلامات الحمراء الأخرى. يستخدمون الإنتربول ومكتب التحقيقات الفيدرالي وقوائم العقوبات والوثائق. ويقومون بفحص الخلفية على الأرض في جميع المجالات التي كان مقدم الطلب سيدرس أو يعمل أو يعيش فيها”.